الاحتباس يهدد أنهار بنغلادش
أنهار بنغلادش:بين النعمة والنقمة
إذا ألقيت نظرة فاحصة على خارطة بنجلاديش تلاحظ أنه لا يوجد جزء منها يخلو من الأنهار سواء كانت كبيرة كنهري الغانجس وميغنا أو صغيرة غير المعروفة. ولا يقل عدد الأنهار هنا عن التسعمائة.
وتعتبر الأنهارجزءا لا يتجزأ من حياة السكان حيث يستخدمها الناس في جميع أنحاء البلاد كوسيلة للتنقل على ظهر القوارب بين المدن والقرى باعتبارها أسرع من وسائل النقل العادية والأرخص.
وتعد هذه الثروة المائية السبب الرئيسي لخصوبة الأراضي الزراعية ولازدهار قطاعي الزراعة والصيد اللذين يعمل فيهما حوالي اثنان وعشرون مليونا من اليد العاملة التي يزيد سنها عن الخامسة عشر.
باختصار يمكن القول إن الأنهار تساهم بشكل كبير، ولو غير مباشر، في دفع اقتصاد بنجلاديش إلى الأمام. ولكن هذه النعمة تتحول في كثير من الأحيان إلى نقمة على أصحابها حسب قول بعض سكان المناطق الواقعة على ضفاف الأنهار الكبرى.
أحد سكان القرية يقول انه اضطر لتغيير منزله 4 مرات
في إطار تغطيتي لمظاهر التغير البيئي في بنجلاديش كجزء من برنامج خدمة البي بي سي العالمية حول آثار الاحتباس الحراري، توجهت على متن قارب صغير إلى قرية شاربويربي الواقعة جنوب العاصمة دكا.
التغير البيئي
سألت بعض الأشخاص هناك عن رأيهم في التغير البيئي وبمجرد أن ذكرت الموضوع وجدت نفسي فجأة محاطة بحشد كبير من الناس بدوا يائسين لتبليغ العالم فصول معاناتهم مع الأنهار المحيطة بهم.
تسابق سكان القرية ليرووا للبي بي سي مغامراتهم مع طبيعة بلادهم النهرية المتقلبة وعن الفيضانات التي تجتاح أراضيهم سنويا خلال فترة الأمطار الموسمية وعن انهيار جزء كبير من قراهم تحت وطأة التيارات المائية القوية للأنهار.
قال لي أحدهم إن مساحة عشرة أميال من قريته اختفت تحت مياه النهر خلال السنوات الأخيرة. وأراني مجموعة من الحطام قرب الضفة قائلا إنها من آثار الفيضان الذي ضرب القرية منذ شهرين.
النهر يبتلع اليابسة
تحاول بعض الأسر بناء منازل بعيدا عن النهر
وروى لي رجل عجوز تجاوز السبعين من العمر كيف اضطر لتغيير بيته أربع مرات بعد أن التهم النهر تدريجيا المناطق الموجودة بمحاذاة الضفة.
وقال إن منشآت كثيرة في تلك القرية الفقيرة لم يعد لها وجود بعد أن غطاها النهر إلا أنه مع ذلك لا يستطيع الانتقال بعيدا عن الضفة لأنه ورغم كبر سنه لا زال يعمل كصياد.
"مدرستي كانت هناك"
ومن أكثر القصص المؤثرة التي سمعتها في قرية شاربوربي هي حكاية ذلك الصبي، ذي الاثني عشر ربيعا، الذي أشار إلى نقطة بعيدة وسط النهر قائلا "هناك كانت تقع مدرستي".
علمت منه أنه اضطر للتوقف عن الدراسة منذ أربع سنوات بعد أن انهار جزء كبير من القرية تحت وطأة المياه. وعندما سألته لماذا لم ينتقل لمدرسة أخرى، قال إنه لم تبن في القرية مدرسة منذ ذلك الوقت وأن والده، الذي يعمل كصياد، لا يملك الإمكانيات لإرساله لمدرسة خارج القرية.
هذا الطفل يقول ان مدرسته اختفت من الوجود
حكايات لا تعد ولا تحصى سمعتها عن "لعنة" الأنهار حتى جعلتني أنسى لوهلة أنه ورغم جميع سلبياتها فالأنهار هي المحرك الخفي لاقتصاد هذا البلد وأن تلويث الإنسان للبيئة هو الذي ساهم إلى حد كبير في جعل مزاجها متقلبا خلال العقود الأخيرة.
ولكن الواقع هو أن الناس عموما حينما تسمع عن آثار التغير المناخي من الصعب أن تتخيل أنه قد يؤثر يوما بشكل يغير منحى حياتهم اليومية على الأقل على المدى القصير. ولكن سكان هذه القرى الصغيرة في بنغلاديش يدركون تماما إلى أي مدى قد يصل غضب الطبيعة وإن كان معظمهم لا يعي أن التقلبات البيئية التي حدثت في السنوات الأخيرة هي ناتجة عن الاحتباس الحراري.
وإن استمر واقع التغير المناخي على حاله، يتوقع خبراء البيئة ألا تتوقف عملية انجراف التربة إلى الأنهار حتى تلتهم ثلث المساحة الإجمالية من بنغلاديش بحلول عام 2050" !