الاحتباس الحراري والكوارث الناجمة عنه
الاحتباس الحراري هو ارتفاع في المعدلات الحرارية عالميا يؤدي إلى التغيراتالمناخية والبيئية التي نشهدها في أيامنا هذه. وقد تسارعت هذه المعدلات الحرارية فيالارتفاع منذ بداية الثورة الصناعية. ولنتمكن من فهم الأسباب الحقيقية التي تؤديإلى هذا الارتفاع الحراري يجب علينا أن نعلم أن المحيط الذي نحيا فيه والمكون منالغازات مثل النتروجين والأكسجين وثاني أكسيد الكربون بالإضافة إلى بخار الماء يملكتأثيرا حاسما على حرارة الغلاف الجوي للكرة الأرضية. وتقوم بعض تلك الغازات مثلثاني أكسيد الكربون والميتان بامتصاص الحرارة, مخفضة بذلك كميات الحرارة التييمكنها الانطلاق إلى الفضاء خارج الغلاف الجوي للكرة الأرضية.
وكلما امتص الغلاف الجوي الطاقة الحرارية كلما ارتفعت حرارة المحيطات وسطح الكرةالأرضية بشكل عام. ويسمى هذا بفاعلية البيوت الخضراء الذي بدونه يصبح متوسط حرارةالغلاف الجوي للكرة الأرضية أقل بثلاثين درجة مئوية, مما يجعل الحياة غير ممكنةعليها. فامتصاص الغازات الموجودة في الغلاف الجوي للحرارة المنبعثة كناتج لاحتراقأية مادة على سطح الأرض وفي الغلاف الجوي يؤدي إلى ارتفاع في المعدلات الحرارية. وقد تراكم غاز ثاني أكسيد الكربون في كوكب الزهرة على سبيل المثال إلى حد أدى إلىارتفاع في الحرارة لايمكن العيش في وسطها لأي من الكائنات.
وقد تعاظمت وتسارعت الكوارث الناجمة عن الظروف المناخية والبيئية حول العالم. ففي نفس الوقت الذي بدأت فيه الأنهار والجبال الجليدية تذوب في القطبين ومناطقأخرى, تنتشر وتوسع مناطقها الأمراض المعدية مثل فيروس غرب النيل والملاريا والإيدزوجنون البقر وحمى الطيور وغيرها. فهل لهذه الظواهر علاقة بالتغيرات المناخية؟ وهلنساهم نحن البشر في صناعة هذه الأحداث؟ وما هو دورنا في تسريع التقلبات المناخية؟وماذا نستطيع فعله لوقف الكوارث المستقبلية القادمة؟
ففي الوقت الذي لايستطيع فيه أحدا القول بأن عاصفة محددة سببها الاحتباس الحراريالعالمي, فان هناك علاقة واضحة بين الحدثين. وتشكل الحرارة في الغلاف الجوي وقودالأحوال جوية عاصفة. وتؤكد دراسات الأرصاد الجوي أن الارتفاع الحراري سوف يؤدي إلىتعاظم حدة وتكرار العواصف الشديدة, وخصوصا تلك العواصف الرعدية العنيفة التي تحدثفي بعض أنحاء الكرة الأرضية. ويقوم الارتفاع الحراري في المحيطات الاستوائية بتغذيةالأعاصير والزوابع الشديدة, وكلما ارتفعت حرارة المحيطات كلما اشتدت وتكررت تلكالأعاصير والزوابع المدمرة. وبالإضافة إلى أن هناك عددا كبيرا من العوامل المساهمةفي نشوء الأعاصير بظروفها الغامضة فان تكرارها سوف يتزايد نتيجة للارتفاع الحراريالعالمي. علما بأن ارتفاع منسوب البحار الناجم حصرا عن الاحتباس الحراري العالميسوف يفاقم مشاكل الغمر الساحلي الذي يشكل الضرر الأعظم من تأثيرات هذه الأعاصير.
ويأتي غاز البيوت الخضراء من مختلف العمليات الحياتية الطبيعية. فعلى سبيلالمثال تقوم النباتات بتحويل ثاني أكسيد الكربون إلى أكسجين, مرجعة بذلك عملياتالتنفس التي تسمح للإنسان والحيوان باستنشاق الأكسجين وإطلاق (زفير) ثاني أكسيدالكربون. وعلى نحو مماثل فان التعفنات التي تحدث لأسمدة الماشية والخث (تفحم الموادالنباتية) تطلق غاز الميتان. وتنتج مختلف النشاطات البشرية أيضا غازات البيوتالخضراء. فمثلا ينطلق غاز ثاني أكسيد الكربون عندما نحرق أي من الوقود الاحفوري ( النفط والغاز الطبيعي والفحم وما شابهه) لإنتاج الطاقة الكهربائية أو عندما نحرقالبنزين والمازوت في سياراتنا أو عندما نشعل المواقد بأنواعها لطهي طعامنا. وينطلقغاز الميتان من المواد الموجودة في التربة. وقد عاظمت هذه النشاطات كميات مختلفالغازات في الغلاف الجوي. وقد أصبح تركيز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي للكرةالأرضية حاليا أعلى بحوالي 32 % مما كان عليه قبل بداية الثورة الصناعية حوالي عام 1750, وأعلى من أي وقت مضى منذ أربعمائة ألف عام, وفقا للمعطيات العالمية.
وقد أكد مختلف العلماء في العالم أن ارتفاع نسبة ثاني أكسيد الكربون في الغلافالجوي الناجمة عن النشاطات البشرية رافقه ارتفاعا جوهريا في معدلات الحرارةالعالمية. وفي عام 2002 كان المعدل الحراري العالمي ثاني أعلى معدل بعد عام 1998, حيث سجل ارتفاعا في هذا المعدل يساوي نصف درجة مئوية خلال العقود الثلاثة الماضية. وأظهرت التحليلات العلمية للتقلبات المناخية خلال السنوات الماضية بأن مثل هذاالتسارع في ارتفاع المعدلات الحرارية غير طبيعي إلى حد كبير. ويتوقع العلماء أنالمعدلات الحرارية للكرة الأرضية سوف ترتفع خلال هذا القرن بشكل لم يحدث خلالالعشرة آلاف سنة الماضية.
وانه لمن الضروري جدا أن نعلم بأن الاحتباس الحراري يعني كل إنسان في هذاالعالم, لأن ارتفاعا في المعدلات الحرارية لبضع درجات مئوية فقط قد يؤدي إلى كوارثمخيفة كما يحصل حاليا في مختلف أنحاء العالم. ويمكن لهذا الارتفاع الحراري إحداثتغييرات هائلة في الظروف الحياتية للإنسان وكذلك للإمكانيات الطبيعية على سطح الكرةالأرضية لدعم الحياة البشرية. وقد لايشعر بها البعض بشكل مباشر, إلا أن التغيراتالمناخية تؤذينا جميعا. فمثلا قد يؤثر هذا على البعض بغلاء المعيشة لأنهم سيدفعونأكثر ثمنا للطعام, لأن الفيضانات في مناطق والجفاف في مناطق أخرى تؤثر سلبا علىالمحاصيل الزراعية. وقد تعني هذه التغيرات لأناس آخرين خطر الأمراض المعدية مثلالملاريا التي تنتشر بسرعة أكبر في ظروف الارتفاع الحراري والأجواء الرطبة. وهناكأيضا من يفقد منزله وكل أملاكه وقد يفقد أهله أو يفقد نفسه عندما يتعرض إلى كارثةطبيعية مثل تسونامي أو كاترينا وما شابههما من الكوارث الناجمة عن الاحتباس الحراريوالتلوثات البيئية التي أصبحت لاتحتمل.
ولذلك فان كل إنسان في هذا العالم معرض للأذى من فعل الكوارث الناجمة عنالتغيرات المناخية. إلا أن أبناء الدول الفقيرة سوف يتأثرون بشكل أكبر بكثير منأبناء الدول الغنية. ففي الدول الفقيرة تكون المنازل أقل أمانا إذا ماتعرضت للزلازلأو الفيضانات والأعاصير, وكذلك أنظمتهم الصحية الضعيفة بالإضافة إلى اقتصادهمالهزيل واعتمادهم الكبير على المنتجات الزراعية التي تخربها بشكل كامل تلك الكوارث. وقد تعاظمت الكوارث الناجمة عن الزلازل والأعاصير في أيامنا هذه وقتل فيها مئاتالآلاف في مناطق عديدة من أنحاء العالم مثل ماحدث في جنوب أسيا وجنوب الصين ووسطأمريكا وأخرها ماحصل في الولايات المتحدة الأمريكية – كاترينا.
وهناك منظمات عالمية عديدة تقوم بدراسة التغيرات المناخية والبيئية حول العالم, مثل منظمة الأرصاد العالمية والهيئة العالمية للتغيرات المناخية والأكاديميةالوطنية للعلوم في الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها. وقد اتفقت كل هذه المنظماتعلى أن الاحتباس الحراري سببته النشاطات البشرية ولم يأتي بشكل طبيعي. إلا أنالسؤال الأهم هو بأية سرعة سيستمر الاحتباس الحراري بالارتفاع خلال العقود القادمةوهل يمكننا توقع الأحداث الناجمة عنه؟ وتقول المعطيات المنشورة بأن الموديلات (النماذج) المستخدمة في الكمبيوترات من قبل العلماء المختصين في هذا المجال تتوقعحجما كبيرا من عدم الوضوح عن المستقبل, إلا أنها تؤكد بشكل عام على أن الارتفاعالحراري سوف يتسارع في الفترة القادمة مؤديا إلى تزايد حدة وتكرار العواصف والزلازلوالأعاصير وكذلك فترات الجفاف العالمية بالإضافة إلى ارتفاع منسوب المياه في البحاروالمحيطات نتيجة لذوبان الثلوج والجليد القطبي.
ويتفق معظم العلماء على أن التكهن الدقيق لحجم الاحتباس الحراري المستقبلي غيرممكنا على الإطلاق, إلا أنه أصبح واضحا اليوم أن خطر الانبعاثات الغازية الناجمة عناحتراق الوقود الاحفوري يهدد العالم بأثره. وقد أنذرت الهيئة العالمية للتغيراتالمناخية لضرورة خفض نسبة ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي الذي وصلت نسبته إلىمرة ونصف من المستوى الذي كان عليه في الجو قبل الثورة الصناعية. إلا أن بعض مؤسساتالطاقة العالمية تتوقع بأن تركيز هذا الغاز في الغلاف الجوي سوف يتزايد بحجم 70 % بقدوم عام 2030 نتيجة لازدياد الكميات البترولية والفحمية والغازية المحروقة نظرالازدياد الحاجة العالمية مع تزايد العدد السكاني في العالم.
ويقول العلماء أن التغيرات المناخية والبيئية التي حدثت خلال العقدين الماضيينوخصوصا خلال السنوات القليلة الماضية لم تشهدها الكرة الأرضية منذ قرون وحتى منذآلاف السنين. ويجب علينا أن نكون منذرين في أننا وفي أي وقت قادم قد نصل إلى ظروفبيئية ومناخية سريعة التطور, مدمرة وغير قابلة للتراجع والعودة إلى الظروف الطبيعيةلأن المعدلات الحرارية العالمية تستمر في الارتفاع.
وإذا لم يتم خفض الانبعاثات الحرارية عالميا, فان المعدلات الحرارية العالمية قدتتزايد بعشرة مرات أسرع من متوسط معدلات تزايدها اعتبارا من نهاية أخر عصر جليديوحتى أيامنا هذه, وفقا لتقديرات معظم العلماء. وان حصل هذا فان مستوى المياه فيالبحار والمحيطات سوف يرتفع وتغمر المناطق الساحلية. وسوف تضرب العالم موجات حراريةأكثر شدة وتكرارا, ويتعاظم الطوفان في مناطق ويضرب الجفاف مناطق أخرى, وتتكرروتزداد حدة العواصف والزلازل والأعاصير. بالإضافة إلى تزايد عدد وأنواع الأوبئةالزراعية التي ستؤدي إلى تناقص المحاصيل. ويتسارع الانقراض البشري, لأن البعوضالناقل للأمراض سوف يصبح في بيئة تمكنه من التكاثر كما ونوعا.
والمصادر الحقيقية للغازات المنبعثة التي تسبب مثل هذه التغيرات البيئيةوالمناخية الحادة هي الصناعات والأعمال والاستخدامات الكثيفة في الدول المتقدمةالتي تعتمد على الوقود الأحفوري بشكل كبير. فمثلا تشكل أوربا واليابان وأمريكاالشمالية مجتمعة مايقرب من 15 % من سكان العالم, إلا انهم مسؤولون عن مايقدر بثلثيغاز ثاني أكسيد الكربون (66 %) المنبعث في الجو حتى يومنا هذا. وأما الولاياتالمتحدة الأمريكية التي لايزيد عدد سكانها عن 5 % من سكان العالم فهي مسؤولة عنمايقدر بربع (25 %) الغازات المنبعثة في الأجواء العالمية. أي أن أقل من 20 % منسكان العالم يتسببون باطلاق أكثر من 91 % من الغازات المدمرة في الأجواء العالمية. وتنتشر هذه الغازات في الغلاف الجوي بواسطة الرياح ليعاني منها من أطلقها ومن لميطلقها على حد سواء. وتقول التقارير الصادرة في هذا المجال أن الولايات المتحدةالأمريكية تملك مايقرب من 130 مليون سيارة, تنفس من الكربون مايعادل كل ماينفسهكامل الاقتصاد الياباني. والولايات المتحدة الأمريكية هي الدولة الوحيدة مابينالدول الثمانية الكبار التي لم توقع على اتفاقية كيوتا لخفض الانبعاثات الغازية فيالعالم.
هذا الواقع الذي لا تستطيع فيه لا الأفراد ولا حتى الدول الصغيرة والكبيرةمنفردة التأثير فيه بشكل معقول, يحتاج إلى تعاونا وتضامنا دوليا كاملا لإصلاحه. وفينفس الوقت لو فكرنا مليا بالأمر لوجدنا أنفسنا جميعا متهمين, ويمكن لكل منا أينماوجدنا على سطح هذا الكوكب الذي ندمره المساهمة الفعالة في خفض حقيقي لكميات الطاقةالمستنزفة غير القابلة للتعويض وكذلك خفض التلوث البيئي قبل أن ينتقم منا بلا رحمة. فهناك مثلا إمكانية لتوليد الكهرباء باستخدام الرياح أو الأشعة الشمسية, هذه الطاقةالتي تسمى بالخضراء والنظيفة. ويمكننا أيضا استخدام النقل العام بدلا من اعتلاء كلمنا سيارته العامة أو الخاصة وخفض عدد الرحلات والمشاوير غير الضرورية في السياراتوالطيارات. ويمكننا أيضا إغلاق صنابير المياه وترشيد استخدامها. وهكذا أيضا بالنسبةللإضاءة التي يمكن الاستغناء عنها, وإغلاق الكمبيوتر الذي لا نستخدمه. فاليابانيوندعوا مجتمعهم إلى عدم ارتداء ربطة العنق كي يخفضوا حاجتهم للتكييف في الصيف أثناءالعمل. والشعوب الاسكندنافية تستخدم الدراجات الهوائية للذهاب إلى العمل والتنزهأيضا, وحتى وزرائهم. والأبنية المعزولة جيدا مثل الترابية القديمة مثلا تحتاج أقلبكثير للتدفئة شتاء وللتبريد صيفا. وهناك صفا كاملا من الممكنات لتوفير الطاقة وخفضالتلوث البيئي وخصوصا عند الهادرين للثروات.